فصل: لا يكفر مسلم بالوزر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.سقوط الحد:

ويسقط حد القذف بمجئ القاذف بأربعة شهداء، لأن الشهداء ينفون عنه صفة القذف الموجبة للحد، ويثبتون صدور الزنا بشهادتهم.
فيقام حد الزنا على المقذوف، لأنه زان. وكذلك إذا أقر المقذوف بالزنا واعترف بما رماه به القاذف. وإذا قذفت المرأة زوجها فإنه يقام عليها الحد، إذا توفرت شروطه بخلاف ما إذا قذفها هو ولم يقم عليها البينة، فإنه لا يقام عليه الحد، وإنما يتلاعنان،
وقد تقدم ذلك في باب اللعان.

.الردة:

.تعريفها:

الردة: هي الرجوع في الطريق الذي جاء منه، وهي مثل الارتداد، إلا أنها تختص بالكفر.
والمقصود بها هنا: رجوع المسلم، العاقل، البالغ، عن الإسلام إلى الكفر باختياره دون إكراه من أحد - سواء في ذلك الذكور والإناث - فلا عبرة بارتداد المجنون ولا الصبي لأنهما غير مكلفين.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يحتلم، وعن المجنون حتى يعقل» رواه أحمد وأصحاب السنن وحسنه الترمذي.
وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين.
والاكراه على التلفظ بكلمة الكفر لا يخرج المسلم عن دينه ما دام القلب مطمئنا بالايمان.
وقد أكره عمار بن ياسر على التلفظ بكلمة الكفر فنطق بها، وأنزل الله سبحانه في ذلك: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالايمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}.
قال ابن عباس: أخذه المشركون، وأخذوا أباه وأمه سمية، وصهيبا وبلالا، وخبابا، وسالما، فعذبوهم، وربطت سمية بين بعيرين، وجئ قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال، فقتلت وقتل زوجها، وهما أول قتيلين في الإسلام.
وأما عمار فأعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها - فشكا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له: «كيف تجد قلبك؟» قال مطمئن بالايمان.
فقال الرسول: «إن عادوا فعد».
هل انتقال الكافر من دين إلى دين كفري آخرى يعتبر ردة؟: قلنا: إن المسلم إذا خرج عن الإسلام كان مرتدا، وجرى عليه حكم الله في المرتدين، ولكن هل الردة قاصرة على المسلمين الخارجين عن الإسلام، أو أنها تتناول غير المسلمين إذا تركوا دينهم إلى غيره من الاديان الكافرة؟.
الظاهر أن الكافر إذا انتقل من دينه إلى دين آخر من أديان الكفر فإنه يقر على دينه الذي انتقل إليه ولا يتعرض له لأنه انتقل من دين باطل إلى دين يماثله في البطلان، والكفر كله ملة واحدة، بخلاف ما إذا انتقل من الإسلام إلى غيره من الاديان، فإنه انتقال من الهدى ودين الحق إلى الضلال والكفر.
والله يقول: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه}.
وفي بعض طرق الحديث: «من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه» أخرجه الطبراني عن ابن عباس مرفوعا.
وللشافعي قولان: أحدهما لا يقبل منه بعد انتقاله إلا الإسلام أو القتل.
وهذا يوافق إحدى الروايتين عن أحمد.
والرواية الاخرى تقول: إنه إن انتقل إلى مثل دينه أو إلى أعلى منه أقر، وإن انتقل إلى أنقص من دينه لم يقر.
فإذا انتقل اليهودي إلى النصرانية أقر، لأن اليهودية مثل النصرانية من حيث كونهما دينين سماويين في الاصل، دخلهما التحريف ونسخهما الإسلام.
وكذلك يقر المجوسي إذا انتقل إلى اليهودية أو النصرانية لأنه انتقال إلى ما هو أعلى.
وإذا جاز الانتقال إلى الدين المماثل، فالانتقال إلى ما هو أعلى أحق وأولى.
وإذا انتقل اليهودي أو النصراني إلى المجوسية لم يقر، لأنه انتقال إلى ما هو أنقص.

.لا يكفر مسلم بالوزر:

الإسلام عقيدة وشريعة، والعقيدة تنتظم بالايمان:
1- بالالهيات.
2- والنبوات.
3- والبعث، والجزاء.
والشريعة تنتظم:
1- بالعبادات من: صلاة، وصيام، وزكاة، وحج
2- والآداب والاخلاق من: صدق، ووفاء، وأمانة.
3- والمعاملات المدنية من: بيع، وشراء...الخ.
4- والروابط الاسرية من: زواج وطلاق.
5- والعقوبات الجنائية: قصاص، وحدود.
6- والعلاقات الدولية من: معاهدات، واتفاقات.
وهكذا نجد أن الإسلام، منهج عام، ينتظم شئون الحياة جميعا.
وهذا هو المفهوم العام للاسلام كما قرره الكتاب والسنة وكما فهمه المسلمون على العهد الأول، وطبقوه في كل مجال من المجالات العامة والخاصة، وكان كل فرد يدين بالولاء لهذا الدين يعتبر عضوا في الجماعة المسلمة، ويصبح فردا من أفراد الأمة الإسلامية تجري عليه أحكام الإسلام وتطبق عليه تعاليمه.
إلا أن من الناس الذكي والغبي، والضعيف والقوي، والقادر والعاجز، والعامل والعاطل، والمجد والمقصر فهم يختلفون اختلافا بينا في قواهم البدنية ومواهبهم النفسية والعقلية والروحية وتبعا لهذا الاختلاف فمنهم من يقترب من الإسلام، ومنهم من يبتعد عنه حسب حال كل فرد وظروفه وبيئته.
يقول الله سبحانه: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله}، إلا أن هذا الابتعاد عنه لا يخرج المقصر عن دائرته ما دام يدين بالولاء لهذا الدين، فإذا صدر من المسلم لفظ يدل على الكفر لم يقصد إلى معناه، أو فعل ظاهره مكفر لم يرد به فاعله تغيير إسلامه، لم يحكم عليه بالكفر.
ومهما تورط المسلم في المآثم واقترف من جرائم، فهو مسلم لا يجوز اتهامه بالردة.
روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من شهد أن لا إله إلا الله، واستقبل قبلتنا، وصلى صلاتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم، له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم».
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين من أن يقذف بعضهم بعضا بالكفر، لعظم خطر هذه الجناية، فقال فيما رواه مسلم عن ابن عمر: «إذا كفر الرجل أخاه، فقد باء بها أحدهما».
متى يكون المسلم مرتدا: إن المسلم لا يعتبر خارجا عن الإسلام، ولا يحكم عليه بالردة إلا إذا انشرح صدره بالكفر، واطمأن قلبه به، ودخل فيه بالفعل، لقول الله تعالى: {ولكن من شرح بالكفر صدرا}.
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنما الاعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى» ولما كان ما في القلب غيبا من الغيوب التي لا يعلمها إلا الله، كان لابد من صدور ما يدل على كفره دلالة قطعية لا تحتمل التأويل، حتى نسب إلى الإمام مالك أنه قال: من صدر عنه ما يحتمل الكفر من تسعة وتسعين وجها، ويحتمل الايمان من وجه، حمل أمره على الايمان.
ومن الأمثلة الدالة على الكفر:
1- إنكار ما علم من الدين بالضرورة. مثل إنكار وحدة الله وخلقه للعالم وإنكار وجود الملائكة، وإنكار نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن وحي من الله، وإنكار البعث والجزاء، وإنكار فرضية الصلاة والزكاة، والصيام والحج.
2- استباحة محرم أجمع المسلمون على تحريمه، كاستباحة الخمر، والزنا، والربا، وأكل الخنزير، واستحلال دماء المعصومين وأموالهم.
3- تحريم ما أجمع المسلمون على حله كتحريم الطيبات.
4- سب النبي أو الاستهزاء فيه، وكذا سب أي نبي من أنبياء الله.
5- سب الدين، والطعن في الكتاب والسنة، وترك الحكم بهما، وتفضيل القوانين الوضعية عليهما.
6- ادعاء فرد من الافراد أن الوحي ينزل عليه.
7- إلقاء المصحف في القاذورات، وكذا كتب الحديث، استهانة بها واستخفافا بما جاء فيها.
8- الاستخفاف باسم من أسماء الله، أو أمر من أوامره، أو نهي من نواهيه، أو وعد من وعوده، إلا أن يكون حديث عهد بالإسلام، ولا يعرف أحكامه، ولا يعلم حدوده، فإنه إن أنكر منها جهلا به لم يكفر.
وفيه مسائل أجمع المسلمون عليها، ولكن لا يعلمها إلا الخاصة، فإن منكرها لا يكفر، بل يكون معذورا بجهله بها، لعدم استفاضة علمها في العامة، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها، وأن القاتل عمدا لا يرث، وأن للجدة السدس، ونحو ذلك.
ولا يدخل في هذا الوساوس التي تساور النفس فإنها مما لا يؤاخذ الله بها.
فقد روى مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل تجاوز لامتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو يتكلم به» وروى مسلم عن أبي هريرة قال: «جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه فقالوا: انا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم قال: ذلك صريح الايمان».
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا خلق الله الخلق، فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئا، فليقل: آمنت بالله».
عقوبة المرتد: الارتداد جريمة من الجرائم التي تحبط ما كان من عمل صالح قبل الردة، وتستوجب العذاب الشديد في الآخرة.
يقول الله سبحانه: {ومن يرتدد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}.
ومعنى الآية: أن من يرجع عن الإسلام إلى الكفر ويستمر عليه حتى يموت كافرا، فقد بطل كل ما عمله من خير، وحرم ثمرته في الدنيا، فلا يكون له ما للمسلمين من حقوق، وحرم من نعيم الآخرة، وهو خالد في العذاب الاليم، وقد قرر الإسلام عقوبة معجلة في الدنيا للمرتد، فضلا عما توعده به من عذاب ينتظره في الآخرة، وهذه العقوبة هي القتل.
روى البخاري ومسلم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من بدل دينه فاقتلوه».
وروي عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: كفر بعد إيمان، وزنا بعد إحصان، وقتل نفس بغير نفس».
وعن جابر رضي الله عنه: «أن امرأة يقال لها أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يعرض عليها الإسلام: فإن تابت، وإلا قتلت فأبت أن تسلم، فقتلت».
أخرجه الدارقطني والبيهقي.
وثبت أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قاتل المرتدين من العرب حتى رجعوا إلى الإسلام.
ولم يختلف أحد من العلماء في وجوب قتل المرتد.
وإنما اختلفوا في المرأة إذا ارتدت.
فقال أبو حنيفة: إن المرأة إذا ارتدت لا تقتل، ولكن تحبس، وتخرج كل يوم فتستتاب، ويعرض عليها الإسلام، وهكذا حتى تعود إلى الإسلام، أو تموت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتل النساء.
وخالف ذلك جمهور الفقهاء فقالوا: إن عقوبة المرأة المرتدة كعقوبة الرجل المرتد، سواء بسواء، لأن آثار الردة وأضرارها من المرأة كآثارها وأضرارها من الرجل، ولحديث معاذ الذي حسنه الحافظ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له لما أرسله إلى اليمن: «أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه، فإن عاد، وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها، فإن عادت، وإلا فاضرب عنقها».
وهذا نص في محل النزاع.
وأخرج البيهقي، والدارقطني، أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد إسلامها، فلم تتب، فقتلها.
وأما حديث النهي عن قتل النساء فذلك إنما هو في حال الحرب، لاجل ضعفهن وعدم مشاركتهن في القتال.
ولهذا كان سبب النهي عن قتلهن أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى امرأة مقتولة، فقال: «ما كانت هذه لتقاتل».
ثم نهى عن قتلهن.
والمرأة تشارك الرجل في الحدود كلها دون استثناء.
فكما يقام عليها حد الرجم إذا كانت محصنة، فكذلك يقام عليها حد الردة، ولافرق.